وبقي هشام بن عروة الذي تدور عليه رواية الحديث في "الصحيحين"، وهو معدود من ثقات الرجال، وأئمة الحديث، وإنما تعرض له أبو الحسن ابن القطان، ومسّه من جهة الضبط، فقال: إنه اختلط في آخر حياته، وتصدى للرد على ابن القطان الحافظ الذهبي في كتاب "الميزان"، واشتد في الإنكار عليه، وقال: إن عروة لم يختلط، وإنما تناقض حفظه في الكبر، فنسي بعض محفوظه، أو وَهِمَ، وقال عبد الرحمن بن خراش: كان مالك لا يرضى هشام ابن عروة، نقم عليه حديثه لأهل العراق، وقدم الكوفة ثلاث مرات: قدمه كان يقول: حدثني أبي، قال: سمعت عائشة، والثانية كان يقول: أخبرني أبي عن عائشة، وقدم الثالثة، فكان يقول: أبي عن عائشة؛ (يعني: أنه كان يرسل عن أبيه).
ولو روى هذا الحديث عن عائشة هشام وحده، لحام حوله شيء من الوهن، ولكن رواه البيهقي في "الدلائل" عن عمرة عن عائشة - رضي الله عنها -، ولم تنفرد برواية هذا الحديث عائشة، بل رواه ابن سعد عن ابن عباس، ورواه ابن سعد، وأبو بكر بن شيبة عن زيد بن أرقم، وصححه الحاكم.
فرواية الحديث في "الصحيحين"، ثم رواية غير عروة له عن عائشة، ورواية غير عائشة له من الصحابة، يجعله في مأمن من أن يحكم عليه بوضع، أو ضعف من جهة سنده.
وننظر بعدُ هذا الحديثَ من جهة المتن؛ لعلّنا نجد في رواياته اضطراباً واختلافاً يقضي بعدم التمسك به:
اختلفت الروايات في بعض ألفاظ الحديث اختلافاً لا يزيد على الاختلاف الذي ينشأ من رواية الحديث بالمعنى، كما جاء في بعض الروايات: "جف