للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلفت الروايات في شيء آخر قد يلوح أن يجعل بينها تعارضاً: هو أن رواية الحديث الذي سقناه تقول: إنه - صلى الله عليه وسلم - أتى البئر في ناس من أصحابه، ورواية زيد بن أرقم للحديث تقول: إنه أرسل علياً، فاستخرجها، فجاء بها، ورواية ابن عباس عند ابن سعد: فبعث إلى عليّ وعمّار، فأمرهما أن يأتيا البئر، ورواية غيره عن عائشة: فنزل رجل فاستخرجه.

والجمع بين هذه الروايات: أنه بعث علياً وعماراً إلى البئر لاستخراج ما فيها، ثم أدركهما في ناس من أصحابه، وقد نزل أحدهما إلى البئر، فاستخرج ما صنعه اليهودي، وكان الذي قدمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.

فمتن الحديث سالم من الاضطراب، وعلى فرض أن يعدّ شيء من ذلك الاختلاف اضطرابًا، فقاعدة الأئمة أن يترك ما وقع فيه الاضطراب من ألفاظ الحديث، ويؤخذ بما اتفقت عليه الروايات منه، فإذا عدّ من الاضطراب اختلاف الروايات في تصريح بعضها بأنه - عليه الصلاة والسلام - استخرج ما وقع به السحر، ودلالة أخرى على أنه لم يستخرجه، وفي قول بعضها: إنه ذهب إلى البئر بنفسه، وقول أخرى: إنه أرسل علياً - رضي الله عنه -، صرف النظر عن هذا الذي وقع فيه الاختلاف، وبقي أصل السحر ثابتاً من الروايات التي اتفقت عليه.

ولم يرد - فيما رأينا من الروايات - رواية تنسب التخييل إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -، فتقول: يخيل إليه أنه كان يقول الشيء ولم يقله، كما أنا لم نقف على رواية تذكر التخييل الذي أحدثه السحر على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك، وأخبر به، وقد وقع في تفسير أبي بكر الجصّاص - في سياق إنكار الحديث - هذان الزعمان، فقال: وزعموا أنه قال: يخيل إليّ أني أقول الشيء وأفعله،