للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما الدعوة، فيدل لها هذا الحديث؛ فقد قال له: "فإذا جئتهم، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله"، وهذه هي الدعوة، وأمره بأن يأخذ منهم الزكاة، وقال: "فإياك وكرائم أموالهم"، وذلك معنى الولاية.

وأما القضاء، فيدل له الحديث الآخر، وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -لما بعث معاذًا إلى اليمن، قال له: "كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ "، قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: "فإن لم يكن في كتاب الله؟ "، قال: فبسنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "فإن لم يكن في سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ "، قال: أجتهد رأي لا آلو؛ أي: لا أقصر (١).

قال في الحديث: "إنك ستأتي أقواماً من أهل الكتاب":

كان في اليمن أهل كتاب من يهود ونصارى، وغير أهل كتاب؛ كعبدة الأوثان، ومعاذ مرسل إلى أهل الكتاب وغيرهم من المشركين، وخص في الحديث أهل الكتاب بالذكر؛ لينبهه على أنه سيأتي قوماً أولي علم في الجملة، فيحتاج إلى عناية ويدل جهد في دعوتهم، وإقامة الحجة عليهم أكثر مما يحتاج إليه في دعوة غيرهم.

ودخلت اليهودية اليمن منذ عهد بعيد، حتى دخل فيها بعض ملوك حمير، وقامت هناك دولة متهودة إلى أن جاء الحبش - وهم نصارى - كما فقوضوا أركانها، وبقيت طوائف من اليهود مفرقين في البلاد.

وكانت النصرانية في نجران من بلاد اليمن، ومن المعروف في السيرة: أن وفد نجران قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا من نصارى العرب، وهم


(١) صححه ابن العربي، وابن القيم.