إذا قيل هذا، قلنا: هذه العلة المشار إليها في الحديث لا تمنع من أن يكون للمنع من التصوير علتان: إحداهما تجعله مفسدة في نفسه، وهي التشبه بمبدع الخليقة، والأخرى كونه وسيلة إلى ما فيه أكبر مفسدة؛ أعني: الغلو في تعظيم غير الله.
قال القاضي أبو بكر بن العربي - بعد أن ذكر علة سد الذريعة إلى عبادة الأصنام-: فإن قيل: فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صور صورة، عذبه الله بها حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ"، وفي رواية:"يتشبهون بخلق الله"، فعلل بغير ما زعمتم، قلنا: نهى عن الصورة، وذكر علة التشبه بخلق الله، وفيها زيادة على هذا: عبادتها من دون الله، ذنبه على أن نفس عملها معصية، فما ظنّك بعبادتها؟!.
وهذا النظر يقتضي أن النهي عن التصوير قائم على هاتين العلتين، ولو كانت العلة سد الذريعة وحده، لكان لأنظار الفقهاء في حال انقطاع الناس عن اتخاذ الصور آلهة مجال، ولكن على المضاهاة بخلق الله تجعل المنع باقياً؛ حيث لم تقيد المضاهاة في الحديث بالقصد إليها، وقد عرفت أن العلماء الذين يذهبون إلى إباحة صنع بعض الصور؛ مثل: ما ليس له ظل، أو كان مجسماً غير تام الأعضاء، أو ما دعت إليه مصلحة التدريب على إدارة المنزل، يستندون فيما أفتوا به إلى أحاديث تجعل النهي مقصورًا على غير ما أفتوا لإباحته.
* هل يجوز التصوير لمصالح تقتضيه؟:
نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التصوير؛ صَرفاً للناس عن حال التشبه بالخالق، وأذن بلعب البنات لمصلحة التمرين على إدارة المنزل، فدل على أن مصلحة هذا