وفي قوله:{أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ}[المطففين: ٤] إيماء إلى أن عدم إيفاء الكيل والوزن في المبايعات؛ شأن من لا يصدق بأنه سيبعث، ويحاسب على ما قدمت يداه من أمثال هذه الخيانة الدنيئة.
وإن شئتم أن تزدادوا علماً بخطر الغش في الكيل والوزن، فاقرؤوا ما قصّه الله تعالى في دعوة شعيب - عليه السلام - لقومه، إذ قال:{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ}[هود: ٨٤]. فقد قرن شعيب - عليه السلام - النهي عن نقص الكيل والوزن بالنهي عن الشرك بالله، وقرن بين الجريمتين في الوعيد، فدل على أن الغش في الكيل والوزن بالغ في الفساد إلى حال قريبة من الحال الشرك برب العالمين.
ويلحق بالكيل والموزون: ما يباع بالذراع، فكل من نقص الكيل والوزن والذرع اعتداء على مال خفية، فعقوبة نقص الذرع هي عقوبة نقص الكيل والوزن، وخساسة ارتكاب هذا هي خساسة ارتكاب ذاك.
ويكون الغش بكتم العيب في المبيع أو الثمن، وقد علَّمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لهذا الغش جزاء في الدنيا قبل جزاء الآخرة، هو: زوال البركة من المال، فقد قال - عليه السلام - في المتبايعين:"فإن بَيّنا، وصدقا، بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا، محقت بركة بيعهما ".
ومن أسباب ذهاب البركة من المال، وتداعيه إلى نقص أو نفاد: أن الذي يخادع في معاملاته، يُعرف بهذا الخداع بين الناس، فينصرفون عنه