للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو عثمان الحيري: أسلم الطرق من الاغترار: طريق السلف، ولزوم الشريعة.

وفي ذلك العهد ظهر القول بأن العلوم لا تنال إلا من طريق مجاهدة النفس، وقطع العلائق بينها وبين البدن، والإقبال على الله بالكلية علماً دائماً، وعملاً مستمرًا، حتى تكشف له الغيوب، ويرى الملائكة، ويطلع على أرواح الأنبياء، ويسمع كلامهم، حتى ينتهي إلى مشاهدة الله - جل جلاله -.

ونسب أبو بكر بن العربي هذا القول إلى الحارث بن أسد المحاسبي، وإلى طائفة أتت بعده من الصوفية (١).

والحق أن المكلف لا يحتاج في إيمانه الصادق، ولا في إقامة الأعمال الصالحة إلى أن تنكشف له الغيوب، أو يطلع على العوالم الروحانية، فإن ما في عالم الشهادة، وما هدى إليه القرآن المجيد، كافيان في إشراق القلب بالإيمان الساطع، والسير على المنهج الموصل إلى السعادة في الدارين.

وكذلك استمر حال المنتمين إلى مذهب التصوف في القرن الرابع فما بعده، فمنهم المستقيمون على السنّة، ومنهم الظاهرون في ثوب الزهد، وهم يراؤون ويبتدعون.

ومما اتصل بالتصوف: مسألة الكرامات؛ فقد ذهب أهل السنّة - كما سبق الحديث عنها - إلى جوازها، بل إثباتها، ولكن الناس بالغوا، أو أكثروا من نسبتها إلى الشيوخ الصوفية، ولعل هذه المبالغة، والإكثار كانا سبب إثارة البحث عنها حوالي آخر القرن الرابع، فنرى أبا إسحاق الإسفراييني (٢)


(١) كتاب "العواصم من القواصم".
(٢) توفي سنة ٤١٨.