ولا مدخل للسلطة القضائية في فصل نوازلهم الخاصة إلا أن يتراضوا عن المحاكمة أمامها، فتحكم بينهم على قانون العدل والتسوية، قال تعالى:{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[المائدة: ٤٢]. وإبقاء المحكومين على شرائعهم وعوائدهم، منظر من مناظر السياسة العالية، وباب من أبواب العدالة يدخلون من قبله إلى أكناف الحرية، وتذكروا إن شئتم قوله تعالى: {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (٧٤) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف: ٧٤ - ٧٥]. فجزاء السرقة في دين يوسف - عليه السلام - هو مضاعفة الغرم على السارق كما روي الكلبي، وفي رواية: ويضرب، وجزاؤه في شريعة يعقوب- عليه السلام - أخذُ السارق، واسترقاقه سنة، وسؤال أصحاب يوسف - عليه السلام - إخوته عن جزاء من يوجد عنده الصواع ليعاقب به، وعدم إجراء حكم دين الملك عليه، مبني على رعاية معاملة المحكومين بشرائعهم.
الإسلام يحل للمسلم أن يتزوج المرأة من أهل الكتاب، مع استمرارها على دينها، والتمسك بعقائدها، ولا يسمح له بهضيمتها في أمر تستدين به، أو انتقاصها حقاً من حقوق الزوجية، بل تقاسم فيها امرأته المسلمة قسمة عادلة.
الإسلام يمنح المسلم أن يعطي لغير المسلم عهداً بتأمينه، ولا مساغ لأحد بعد ذلك في نقض ميثاقه، أو تبديل شرطه، بل يحتم السعي في تأكيده ورعايته، وفي الحديث الشريف:"إن المسلمين يسعى بذمتهم أدناهم".
تنظر إلى أبواب الشريعة، فتبصر في جملتها أحكاماً كثيرة مبنية على التسامح مع غير المحاربين، تطالع أبواب الهبة والوقف والوصية، فتستفيد