السواد في قلوب المحاربين، ثم إن لكل أمة سرائر من حيث الدولة لا ينبغي لها أن تطلع عليها غير أوليائها، ومن كان متلبساً بصفة الإسلام شأنه الخبرة بأحوال المسلمين، والمعرفة بدواخلهم، فإذا خلع ربقة الدين، وقد كان بطانة لأهله يلقون إليه سرائرهم، اتخذه المحاربون أكبر مساعد، وأطولَ يد يمدونها لنيل أغراضهم من المؤمنين، هذا تأثير أهل الردة على الإسلام من جهة الدولة والسياسة، وأما تأثيرهم عليه من جهة ديناً قيماً، فإن المرتد يحمله المقلّدون من المخالفين على معرفته بحال الدين، والخبرة بحقيقته تفصيلاً، فيتلقون منه كل ما ينسبه إليه من خرافات وضيعة، أو عقائد سخيفة، يختلقها عليه بقصد إطفاء نوره، وتنفير القلوب منه، ولما كان عثرة في سبيل انتشار الدين، وجبت إماطته كما يماط الأذى عن الطريق.
وفي جعل عقوبة المرتد إباحة دمه زاجرٌ للأمم الأخرى عن الدخول في الدين مشايعة للدولة، ونفاقاً لأهله، وباعث لهم على التثبت في أمرهم، فلا يتقلدونه إلا على بصيرة وسلطان مبين؛ إذ الداخل في الدين مداجاة ومشايعة يتعسر عليه الاستمرار على الإسلام وإقامة شعائره.
وأنت إذا جئت تبحث عن حال من ارتدوا بعد الإسلام، لا تجد سوى طائفتين: منهم من عانق الدين منافقاً، فإذا قضى وطره، أو انقطع أمله، انقلب على وجهه خاسراً، وبعضهم ربي في حجور المسلمين، ولكنه لم يدرس حقائق الدين، ولم يتلق عقائده ببراهين تربط على قلبه ليكون من الموقنين، فمتى سنحت له شبهة من الباطل، تزلزت عقيدته، وأصبح في ريبه متردداً، وارجع بصرك إلى التاريخ كرتين، فإنك لا تعثر على خبر ارتداد مسلم نبت في بلد طيب نباتاً حسناً.