سعدت هذه المعاهد والمدارس، وأطلعت من أعلام الهداية وحماة الفضيلة خلقاً كثيراً.
وقد كان منهج التعليم في بلاد الأندلس جيداً، وكان رجال دولها - في أغلب أحوالهم - ينطوون على ضمائر سليمة، وسرائر مطمئنة بالإيمان.
نعني بجودة منهج التعليم: أنهم كانوا يسيرون في دراسة العلم على طريقة البحث في نفس العلم، والغوص على لبابه، ولم تأكل المختصرات المعلقة، والمناقشات اللفظية من مجهوداتهم وأوقاتهم ما هم في حاجة إلى إنفاقه في حقائق العلم، وإنَّ حقائق العلم لشيء كثير.
ولا يغيب عنا أنهم ابتلوا في أواخر حياتهم - كما ابتلي غيرهم - بشيء من هذه المختصرات، وأخذت المناقشات في ألفاظ المؤلفين تشغل طرفاً من أوقاتهم، ولكنها لم تشتد كما اشتدت في معاهدنا منذ زمن، وأوشكت أن تصير دون المباحث الأصلية في العلم حجاباً مستوراً.
وأما احتفاء أمراء الأندلس بعلوم الإسلام، فإن تاريخهم ينطق بأنهم كانوا يعملون لحياتها ونمائها، ويوجهون عنايتهم على الاستكثار من رجالها، ولهذه العناية مظاهر شتى:
من هذه المظاهر: رعايتهم لمقامات العلماء، ونظرهم إليها بعطف واحترام.
قال أبو عبد الله المقري في وصف الأندلس:"وإن ملوكها كانوا يتواضعون لعلمائها، ويرفعون أقدارهم".
وسنسوق إلى حضراتكم في بعض الفصول الآتية وقائع تشهد بأن أمراء الأندلس كانوا يجلون علماء الشريعة، ويحتملون منهم الأمر بالمعروف،