للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القضاء والفتوى عليه إلى أن أفلَتْ شمس الإسلام من تلكم الآفاق.

وذهب ابن حزم في سبب انتشار مذهب الإمام مالك بالأندلس إلى وجه آخر، فقال: إن يحيى بن يحيى الليثي أحد رواة "الموطأ" عن مالك، كان مكيناً عند السلطان، مقبول القول في القضاة، وكان لا يلي قاض في أقطار الأندلس إلا بمشورته واختياره، ولا يشير إلا بأصحابه ومن كان على مذهبه، والناس سراع إلى الدنيا، فأقبلوا على ما يرجون بلوغ أغراضهم به، على أن يحيى لم يلِ قضاء قط، ولا أجاب إليه، وكان ذلك زائداً في جلالته عندهم، وداعياً إلى قبول رأيه لديهم.

والتاريخ والمشاهدة يدلان على أن المذهب ينتشر في الناحية حيث يختص أصحابه بمنصب القضاء ونحوه، وينتشر في الناحية حيث يكون كبار علمائها أو معظمهم ممن تفقهوا عليه، وصاروا من أشياعه. ولعل انتشار مذهب مالك بالأندلس يرجع على السببين كليهما.

يتفقه أهل الأندلس على مذهب مالك بن أنس، إلا أن كثيراً منهم يأنسون في أنفسهم الكفاية للاجتهاد أو الترجيح، فيأخذون بما يرونه الصواب، وإن خالف مذهب مالك وأصحابه جميعاً.

وممن أصبح مستقل النظر في الأحكام: القاسم بن محمد بن سيار الذي قال فيه محمد بن عبد الحكم: "لم يقدم علينا من الأندلس أعلم من القاسم ابن محمد". وقال في شأنه ابن حزم: "وإذا سمينا القاسم بن محمد، لم نباه به إلا القفال، ومحمد بن عقيل الفريابي".

كان القاسم بن محمد مستقل النظر، وكان إذا استفتاه الناس، أفتى بمذهب مالك، ولما خاطبه أحمد بن خالد في هذا، وقال له: أراك تفتي