القرآن، يصيبه هذا، فقال: إنا لنخشى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وما نسقط.
وقال حصين بن عبد الرحمن: قلت لأسماء بنت أبي بكر: كيف كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند قراءة القرآن؟ قالت: كانوا كما ذكرهم الله، تدمع عيونهم، وتقشعر جلودهم، فقلت لها: هاهنا رجال إذا قرئ على أحدهم القرآن، غشي عليه، فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وقال عامر بن عبد الله بن الزبير: جئت إلى أبي يوماً، فقال: أين كنت؟ فقلت: وجدت أقواماً ما رأيت خيراً منهم، يذكرون الله، فيرعد أحدهم حتى يغشى عليه من خشية الله، فقعدت معهم. فقال لي: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبا بكر، وعمر يتلون القرآن، ولا يصيبهم هذا، أفتراهم أخشعَ لله من أبي بكر وعمر؟ قال: فرأيت أن ذلك كذلك، فتركتهم.
رحم الله أصحاب رسوله الكريم، لم يعدوا في كمال معرفة الله، أو في كمال خشيته أن يسمع الرجل القرآن، فيقع مغشياً عليه، إنهم كانوا على بصائر مشرقة، وأحلام راجحة، يعرفون كيف يتقربون إلى الله زلفى، وكيف يتدبرون آياته بسكينة وحسن سمت، تمتلئ له أعين الناظرين مهابة وإجلالاً.
وفي عهد التابعين أقبلت طائفة من فضلائهم يتحدثون في أحوال النفس؛ من حيث صفاؤها، وصلتها بالخالق، وزهدها في زخرف هذه الحياة، واشتدت عنايتهم بالحديث في هذه الآداب، وكانوا يأخذون بها أنفسهم، ويرشدون إليها غيرهم، ويلقبون لذلك العهد: الزهاد، والوعاظ.
ومن أشهر هذه الطائفة: الحسن البصري، وكان صاحب حديث وفقه، وبيان وعلم بالقرآن، فصحبه طوائف من الناس شتى، فمنهم من صحبه ليأخذ