عنه الحديث والأخبار، ومنهم من صحبه ليستفيد منه البلاغة والبيان وعلم القرآن، ومنهم من صحبه ليتلقى عنه الفقه والأحكام، وهو-مع هذا- يتكلم في محاسبة النفس، والمراقبة، والأخلاق، والمحبة، واليقين، والاستهتار بذكر الله، وكان يعقد للحديث في هذا السبيل مجلساً في منزله، لا يشهده إلا طائفة يتوسم فيهم الكفاية لأن يفهموا، والقوة على أن يعملوا، وكان لا يتحدث في هذا المجلس إلا في هذا الباب من العلم.
قال أبو سعيد بن الأعرابى: لم يبلغنا أن أحداً ممن تكلم في هذه المذاهب (يعني: أحوال النفس)، ودعا إليها، وزاد في بيانها وترتيبها وصفات أهلها، مثل الحسن بن يسار البصري.
كان هؤلاء الفضلاء يصرفون هممهم إلى تزكية النفوس من نقائصها، وإسلام القلوب إلى ربها، يشهد بهذا كلمهم الطيب، ومواعظهم الحسنة.
ومن مواعظ الحسن البصري: حادثوا هذه القلوب بذكر الله؛ فإنها سريعة الدثور، واردعوا هذه النفوس؛ فإنها طلعة تنزع إلى الشر عادة.
وعلى هذا الطراز يقول عامر بن قيس أحد زهاد التابعين: لقد أحببت الله حباً سهّل علي كل مصيبة، ورضّاني بكل قضية، فما أبالي مع حبي له ما أصبحت عليه، وما أمسيت.
وأخذ بعض الناس في عهد التابعين ينحو نحو الغلو في الزهد، وكان الحسن البصري نفسه ممن يحارب هذا الغلو الذي لا يرتضيه الإسلام، ومما نقرؤه في تاريخ هؤلاء: أن رجلاً قال: أنا لا آكل الخبيص (١)؛ لأني