لا أقوم بشكره، فقال الحسن البصري: هذا رجل أحمق، وهل يقوم بشكر الماء البارد؟!.
فزهد الحسن البصري وأمثاله من فضلاء التابعين، لا يحيد عن منهج الشريعة يميناً ولا يساراً.
وتخرج في مجالس الحسن البصري وغيره طبقة عالمة زاكية، منهم: مالك بن دينار، وحبيب العجمي، وعبد الواحد بن زيد، وبقي هؤلاء الذين يلقبون الزهاد والوعاظ لا يمتازون عن جمهور الناس إلا بكثرة ما يعملون من صالح، وبشدة ما يحملون من خشية الله، والعزة به، والاعتماد عليه، وبانصراف هممهم عن التعلق بما في هذه الحياة من شهوات أو حطام.
وفي خلال النصف الأول من القرن الثاني صار الزهاد والوعاظ يسمّون بالصوفية، وأول من دعي بهذا الاسم: أبو هاشم الصوفي المتوفى سنة ١٥٠ هـ، وقد اختلف الناس في مأخذ هذا اللقب، فزعم بعضهم أنه مأخوذ من الصفّة؛ لشبه هؤلاء الزهاد بأهل الصفَّة، وهم جماعة من فقراء الصحابة كانوا يقيمون بمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عابدين متعففين، لا يفارقونه إلا لجهاد عدو، وهذا الوجه لا يوافق قاعدة النسب في اللغة؛ فإنها تقتضي أن يقال في النسب إلى صفّة: صُفّية، لا صوفية.
وذهب ابن الجوزي وآخرون إلى أن الصوفية نسبة إلى صوفة؛ تشبيهاً لهؤلاء الزهاد بآل صوفة، وهم قوم كانوأ يخدمون الكعبة في الجاهلية، ويتنسكون. والأقرب أنهم تسموا بالصوفية لأنهم كانوا يؤثرون لبس الصوف؛ تجنباً للبس الفاخر من الثياب.
أخذ الزهاد والوعاظ لقب الصوفية، وما برحت طريقتهم قائمة على