للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اتخذوا هذا المسلك في التفسير ذريعة إلى قضاء بعض ما في نفوسهم؛ ليحرفوا كلم الله عن مواضعه، ومن المدبرين لهذه المكيدة: الطائفة التي يسمونها: الباطنية (١)، وأصل دعوتهم: "أن طائفة من المجوس راموا عند شوكة الإسلام تأويل الشرائع على وجوه تعود إلى قواعد أسلافهم، وذلك أنهم اجتمعوا، فتذاكروا ما كان عليه أسلافهم من الملك، وقالوا: لا سبيل لنا إلى دفع المسلمين بالسيف؛ لغلبتهم، واستيلائهم على الممالك، لكنا نحتال بتأويل شرائعهم إلى ما يعود إلى قواعدنا، ونستدرج الضعفاء منهم؛ فإن ذلك يوجب اختلافهم واضطراب كلمتهم" (٢).

وقبل بعض أهل العلم المعاني التي يذكرها بعض الصوفية للآية أو الحديث، ولا تسعها اللغة، وهي في نفسها صحيحة، وحملها على أنها من باب الإشارة والاعتبار، لا على أنها تفسير يدل عليه اللفظ، بوجه من وجوه دلائله المقررة في علوم العربية، وهذا ما يقوله بعض من يتكلم في الآيات بلسان التصوف، ولهذا كانوا يلقبون أصحاب الإشارات.

وقد خالف هؤلاء القوم أبو بكر العربي في كتاب "العواصم من القواصم"، وأنكر أن تكون هذه المعاني مأخوذة من القرآن، ولو بطريق الإشارة؛ بحجة أن في أقوال الشريعة من الحكمة والموعظة ما لا يحتاج معه إلى مثل هذا الضرب من الإشارة والاعتبار.

وبلي التصوف في أثناء القرن الثالث بنفر اتخذوه مظهر آراء لا يقبلها الإسلام في حال، فكان من المنتسبين إليه من يذهب إلى القول بوحدة الوجود،


(١) سمّوا بذلك لأنهم قالوا: إن للقرآن ظاهراً وباطناً، والمراد باطنه.
(٢) المواقف وشرحها للسيد.