ويدخل في هذا السلك: اتخاذ الأواني من جواهر نفيسة غيو الذهب والفضة، فقد أفتى بعض أهل العلم بحرمته، وأفتى آخرون بإباحته، وإنما اختلفوا؛ لاختلاف أنظارهم في فهم مقصد الشارع من النهي عن استعمال الآنية من الذهب أو الفضة، فمن فهم أن علّة هذا النهي الإسراف، أو التباهي، وجد العلة متحققة في كل جوهر يساوي الذهب والفضة، أو يفضلهما في نفاستهما وقيمتهما، فأفتى بحرمة استعماله، أما المجيزون، فذهبوا إلى أن علّة تحريم استعمال آنية الذهب والفضة كون الذهب والفضة أثماناً للأشياء، واتخاذ أدوات المنزل منهما يفضي إلى قلتهما بأيدي الناس، وحبسهما عن التصرف الذي يتوقف عليه انتظام المعاملات، وهذه العلة لا توجد في غيرهما من الجواهر النفيسة، فلا حرج في اتخاذها زينة المنازل، واستعمالها فيما يستعمل من الأدوات.
نهى الشارع الحكيم عن الإفراط في تعاطي الزينات والملاذ، ووضع للخروج فيهما عن حدود العدل عقوبات محدودة، أو موكولة لاجتهاد القاضي، واتخذ لحماية النفوس من أن تتعبدها الشهوات وسائل بالغة.
ومن هذه الوسائل: فريضة الصيام؛ فإن حبس النفس عن بعض ما تلذه من نحو المطعومات شهراً كاملاً في السنة يكسبها قوة على ترك الملاذ متى شعرت بما ينتج عنها من عاقبة سيئة، وكذلك فرضت الزكاة لِحِكَم منها: تربية أصحاب الأموال على أدب العطف والرحمة، وأخذهم إلى إيثار الفضيلة على الشهوة، وما المفطر في نهار رمضان، أو مانع الزكاة إلا رجل يحمل بين جنبيه نفساً غارقة في حب الشهوات، لا تسمع منادياً، فأنّى لها أن تجيب واعظاً؟.