له: في قومك دماء وجراح، وقد أحبوا أن تحضر المسجد فيمن يحضر؛ لتقوم بقسطك من الديات، قال: فأتيته وأبلغته، فقال: يا جارية! هاتِ الغداء، فجاءت بأرغفة خُشن، ففتتهن في نقيع من التمر، ثم صب عليهن زيتاً، فأكل، وقال: الحمد لله، حنطة الأهواز، وتمر الفرات، وزيت الشام. ثم انطلق إلى المسجد، فصلى ركعتين، واجتمع من قومه الطالبون للديات والمطلوبون، فأكثروا الكلام، فقال ضرار: إلى ما صار أمركم؟ قالوا: إلى كذا وكذا من الإبل، فقال: هي عليَّ كلها، ثم قام وانصرف إلى منزله.
فلو كان ضرار بن القعقاع من المسرفين في الترف، لما تبرع بجميع ما لزم القوم من الديات، ولم يزد على أن تحمل قسطاً ضئيلاً من نحو ما يتحمله المسرفون في الترف وهم كارهون.
نشكو إطلاق الأيدي بإنفاق المال في غير جدوى، ومن أمثلة هذا الإسراف الممقوت: مظاهر الأفراح والمآتم؛ فإنها تقام عندنا على غير حكمة وحسن تقدير، وتأكل من الأموال ما لا يجر إلى صاحبها حمداً، بل شأنه أن يسوق إليه ذماً أو إثماً.
وإذا كان الإسراف يوقع الأفراد والجماعات في مضار كثيرة، كان واجباً على أولياء الأمور ودعاة الإصلاح أن يتعاونوا على الجهاد في هذا السبيل، حتى يبتعد الناس عن الإسراف في مآكلهم ومشاريهم، وملابسهم ومراكبهم، ومساكنهم وأمتعة بيوتهم، ويتحروا في جميع ذلك الطريقة المثلى.
قال ابن الخطيب في مقالته السياسية:"رعيتك ودائع الله عندك"، ثم قال:"ورِضْهم على الإنفاق بقدر الحال".