فالنفوس قد تحب الشيء، وحقُّها أن تكرهه؛ لأنه شر، وقد تنفر منه، وحقُّها أن ترغب فيه؛ لأنه خير. وينبني على هذا التنبيه: أن الإنسان لا ينبذ الشيء لأول ما تنقبض منه العاطفة، ولا يمد إليه يده لأول ما يحس تعلق العاطفة به، بل يرسل فكره في طلب الاستدلال على أنه خير حتى يتعاطاه، أو أنه شر حتى يتحاماه.
يختلف العقل والعاطفة، وإذا تعلقت العاطفة بما أنكره العقل، كانت العاطفة هي الخاطئة، ومن جرى في عمله على إرضائها، فقد ازدرى العقل، وضلَّ سواء السبيل، وليس من الممكن أن يدرك العقل الناشئ في مهد العلم الصحيح شيئاً، ويذعن له، ثم تخالفه العاطفة، فتميل إلى غير ما أذعن له العقل، ويكون كل منهما على هدى، وقد زعمت طائفة من المناوئين للدين الحق أن قضايا الدين تتقلبها العواطف، وقضايا العلوم تتقبلها العقول، وأن العواطف قد تتقبل أشياء لا تسلمها العقول، ولم يكبر عليهم أن يقولوا: إن قبول العاطفة للقضية الدينية وإنكار العقل لها لا يتنافيان.
قالوا هذا حين قصدوا لصرف الناس عن وجهة الدين من طريق المداجاة والمخاتلة، فتسمعهم يقولون لمن أرادوا إغواءه: إن الدين لا يلزم أن يكون مطابقاً للعلم؛ لأن العلم يجيء من ناحية العقل، فنقبله على أنه ثمرة الفكر، وإن الدين نتقبله بقلوبنا وعواطفنا، ولا يضره عدم تسليم العقل.
وقد يأتي أولئك المخادعون إلى أشياء قررها الدين، وهي في زعمهم مخالفة للعلم، ويتظاهرون بأنهم يؤمنون بما جاء به الدين، فيقولون: هذا