قرره العلم، فنتقبله بعقولنا، وهذا قرره الدين، فنتقبله بعواطفنا.
ونحن نفهم أن الدين الحق قد يقرر شيئاً من الأحكام يقصر العقل عن فهم حكمتها؛ ككون صلاة المغرب ثلاث ركعات، أو يخبر بشيء يعجز العقل أن يقيم الدليل على إثباته؛ كبعض الأخبار الواردة في الجنة أو النار، ولكنا ننفي نفياً قاطعاً أن يقرر الدين شيئاً، فينكره العقل؛ أي: إن العقل يستطيع أن يقيم الدليل المقبول على انتفائه.
الحقيقة التي نصدع بها موقنين، ونخرج من مقام الدفاع عنها ظافرين، هي أن كل ما يقرره الدين لا تجرؤ العقول على إنكاره، إلا عقولاً لا ترجع في إنكارها إلى منطق صحيح.
والذين يريدون استهواء أفراد أو جماعات إلى مذهب زائغ، أوعمل فاسد، يتجنبون أن يأتوهم من ناحية العقل والمنطق؛ لعلمهم أن العقل والمنطق إنما يقفان بجانب الحق والفضيلة، فتجدونهم يلجؤون إلى أن يأتوهم من ناحية العواطف، حتى إذا وجدوها مستعدة لأن تنحدر في طريق غير طريق العقل، أخذوا يجاذبونها، ويغذونها بما يزيد في عوجها، حتى تخرج عن سلطان الحكمة، وهذا مايفعله الدعاة إلى غير هداية؛ من نحو: إعداد مستشفيات أو ملاجئ ينصبونها حبائل لاصطياد الغافلين من المسلمين.
وكذلك يفعل الملاحدة والإباحيون؛ إذ يتخذون في وسائل إغواء فتياننا وفتياتنا، وإبعادهم عن حظيرة الدين، فتح باب الشهوات في وجوههم؛ من نحو: استحسان التبرج، واختلاط الجنسين، حتى يبلغ بعضهم أن يقول في غير استحياء: إن الدين لا يمنع من اختلاط الفتيان بالفتيات.
وقد حذر بعض الحكماء من الطائفة التي تأتي الناس من ناحية أهوائهم،