وموضوع حديثنا الليلة: هو النظر في هذه الصلة، وذكر مالها من حقوق، والتنبيه لما تأتي به رعايتها والاحتفاظ بحقوقها من ثمرات طيبة.
بنى الإسلام أحكامه وآدابه على أساس العزة والكرامة، فكره للرجل أن يخلد إلى البطالة، ويتعرض للصدقات، وهو قادر على أن يضع يده في عمل يكسب به قوته أو قوت من يعول، قال - صلوات الله عليه -: "والذي نفسي بيده! لأن يأخذ أحدكم حبله، فيحتطب على ظهره، خير من أن يأتي رجلاً أعطاه الله من فضله، فيسأله أعطاه أو منعه".
وقد مر بنا قول المتنبي في مدح محمد بن عبد الله الخصيبي قاضي أنطاكية:
أخلت مواهبك الأسواق من صنع ... أغنى يداك عن الأعمال والمهن
فنعده من الشعر المنحو به نحو الغلو في الإطراء، ولكنّا نود من المتنبي أن يجعل أثر المواهب قطع دابر الفقر، كما قال ابن المولى في يزيد بن حاتم:
لو كان مثلك آخَرٌ ... ما كان في الدنيا فقير
لا أن يجعل أثر المواهب استغناء الناس عن الأعمال والمهن؛ إذ لا يليق بإنسان أن يترك عملاً، أو يقاطع مهنة؛ اتكالاً على مواهب قاض أو وزير أو أمير.
وكره الإسلام لمن ابتلوا بقلة ذات اليد أن يسارعوا إلى الاستجداء ولهم في التجمل متسع، فانظروا كيف نبّه القرآن الكريم على فضل قوم ضاقت أيديهم عن الكسب، فلاذوا بالتعفف، وارتدوا بالتجمل، فقال:{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}[البقرة: ٢٧٣].