فإذا قلنا: إن الشارع جعل شطراً من الزكاة يصرف إلى الفقراء والمساكين، وشطراً منها يصرف في الاستعداد للدفاع، فكأنما قلنا: إن الشارع قد فرض الزكاة لتكون وسيلة القوة المادية والقوة النفسية، وبالقوتين تبلغ الأمة أقصى ما تروم من العزة والمنعة.
ندب الإسلام إلى الصدقات، وفرض الزكاة فقدّرها أحسن تقدير، وأوجب على الناس أن يطعموا المسكين متى كان في مخمصة- ولو كانوا أدوا زكاة أموالهم-، وقد توعد على ترك هذا الواجب الإنساني الأليم، اقرؤوا إن شئتم قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: ٣٨ - ٤٤].
يجازى بعذاب الحريق من منع المساكين حقوقهم من الزكاة، ومن أبصر مسكيناً في مجاعة فلم يغثه، وقد دل القرآن الكريم على أن قسطاً من هذه العقوبة يستحقه من لا يحضّ الموسرين على إطعام المساكين، يدل على هذا قوله تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الحاقة: ٣٠ - ٣٤].
هذه كلمتنا في حقوق الفقراء على الأغنياء، ولو تعاونت الأمة والدولة على مكافحة البطالة، ثم عملوا بالتي هي أقوم على أن يؤدي الأغنياء هذه الحقوق، فتصل إلى أربابها على وجه منظم، لأصبحنا في مقدمة الأمم القوية في أخلاقها، المطمئنة في عيشها، وإذا ظفرت الأمة بقوة الأخلاق وطمأنينة العيش، فهناك تظهر طبقاتها متماسكة ما بين الثروة والكفاف، وهنالك تكون العزة والسعادة.