وليس من غرضنا الليلة أن نتحدث عن هذه الخصال مثلما يتحدث عنها علماء النفس بتفصيل؛ إذ يتعرضون للبحث عن حقائقها، ويقسمونها إلى أصول وفروع، ويذكرون ما بين فروعها من مناسبات أو فروق، ويدلون على الآثار المترتبة عليها، ويصلون حديثهم بالبحث عن كيفية تربية النشء عليها، كان هذا التفصيل يستدعي تخصيص كل خصلة منها بمحاضرة على أقل تقدير.
والذي أستطيعه في هذا المقام إنما هو إلقاء نظرة على هذه الآداب، أقصر فيها القول على ناحية ارتباط الهداية الإسلامية بها، وتنبيهها على سمو مكانتها، وحثها الناس على التجمل بحليتها؛ حتى يزداد شبابنا علماً بأن الدين الحنيف قد أتى إلى الأخلاق، وهي الأساس الذي تقوم عليه سعادة الأمم، فهذبها، وأرشد إليها على طريقة أقرب إلى العقول، وأدعى إلى العمل عليها من الطرق التي سلكها الفلاسفة.
أما الحلم، الذي هو ضبط النفس عن أن يهيجها الغضب بسهولة وسرعة، فقد ذكره القرآن المجيد في صفات المؤمنين بحق، فقال تعالى:{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}[آل عمران: ١٣٤]، فإن عقب هذه الطمأنينة ترك المؤاخذة على الإساءة، فذلك العفو المشار إليه بقوله تعالى:{وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}[آل عمران: ١٣٤]. فطمأنينة النفس عند الإساءة بحيث لا يحركها الغضب بسهولة، كمالٌ في نفسها، فإن انضم إليها ارتياح النفس لعدم المؤاخذة على الذنب، كان الكمال مضاعفاً.
ووجه ارتباط خلق العفو بما دعا إليه الإسلام، هو أن من مقاصد الدعوة تكوين أمة مؤتلفة القلوب، متعاونة على البر والتقوى، ولا يمكن تحقيق