هذا القصد إلا أن تنتفي أسباب التجافي والتقاطع، وحيث كانت الجماعات الكبيرة لا تخلو من أن يتعرض طائفة لطائفة بمكروه من قول أو فعل، كان من الآداب التي عنيت بها دعوة الإسلام: الإغضاء عن أمثال هذه الهفوات، وشمولها بالعفو.
وللحلم - بمعنى عدم إظهار الغضب - أثر عظيم في نجاح السياسة:
ولربما ابتسم الكريم من الأذى ... وفؤاده من حرِّه يتأوه
وقد عدّ الحلم - بمعنى الإغضاء عن بعض الزلات - في مقتضيات السياسة الرشيدة، قال الشاعر في وصف سياسة أميره:
أناة فإن لم تغن عقّب بعدها ... وعيداً فإن لم يغن أغنت عزائمه
وفي عهد ذوي الحلم والأناة من رجال الدولة يجد المصلحون مجال الدعوة أمامهم فسيحاً، فيعملون في طمأنينة وثقة من إدراك أسمى المقاصد، وأحمد العواقب.
وأما السخاء: فإن من مقاصد الشريعة سد حاجات الفقراء، وإعانتهم على القيام بتكاليف الحياة، ومن أجل هذا فرضت الزكاة، وندبت إلى الصدقات، وقررت بعد هذا على الرجل حقوقاً مالية؛ كالإنفاق على الزوجات والأبناء وبعض ذوي القربى، فلا جرم أن يعنى الإسلام بتطهير النفوس من رذيلة الشح، وتحليتها بفضيلة السخاء، حتى إذا ورد الأمر بالإنفاق في وجه من الوجوه، سارعت إلى امتثاله عن طيب خاطر، وجاءته كأنما تنحط من صَبَب.
ولا كون مخطئاً إذا قلت: إنّ من أسباب العاقبة السيئة التي سار إليها كثير من الشعوب الإسلامية؛ انقباض الأيدي عن البذل في سبيل الله.