لم يكتف الشرع الحكيم من المسلم أن ينفق من فضل ماله، بل مدحه بأعلى مراتب السخاء، وهو أن يؤثر غيره بالنوال وهو في حاجة إليه، فقال تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر: ٩].
وأما الشجاعة، فنوعان: شجاعة حربية: وهي بذل النفس في سبيل الدين أو العرض أو المال. وشجاعة أدبية: وهي إقدام الرجل على إسماع ذي سلطان كلمة الحق؛ من أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، من غير مبالاة بما يلحقه من أذى السلطان، وكلتا الشجاعتين شملها الإسلام بعناية كبيرة.
أما الشجاعة الحربية: فقد أمر الرجل الواحد من المسلمين بأن يقف في مشاهد القتال لرجلين اثنين من المخالفين المهاجمين، وجعل الفرار من الزحف كبيرة موجبة لغضب الله تعالى، وانما جزاؤها يوم القيامة الحرق بالنار. وأما الشجاعة الأدبية: فقد جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات الإيمان، ولا يختص هذا الواجب بعلماء الدين الرسميين، ولا بالعلماء المتميزين بزي خاص، بل هو فريضة في عنق كل مسلم، تُرك أمامه معروف، وهو يعلم أنه معروف، أو فُعل أمامه منكر، وهو يعلم أنه منكر.
وقد تكلم الفقهاء المحققون عن هذه الفريضة بما يشفي غليل الباحث، وأذكر هنا: أن الإمام ابن عرفة أفتى بأن خوف العزل من الوظيفة ليس بعذر يجيز ترك النهي عن المنكرات.
فكل مسلم مطالب بأن يكون جامعاً للفضيلتين: الشجاعة الحربية، والشجاعة الأدبية ما استطاع.
ومن عرف أن الأمة لا تقع تحت سلطان أجنبي غاشم إلا بفقدها للشجاعة الحربية، وأن الفسوق والبغي لا ينتشران بين بيوتها إلا بفقدها للشجاعة الأدبية،