للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما كبر الهمة، فهو الخلق الذي يطمح به الإنسان إلى أغراض بعيدة المرمى، فيكون اتجاهه دائماً إلى أشرف الأعمال، وأرفع المنازل، ولا يرضى صاحبه بأدنى الأعمال أو المراتب وهو قادر على ما فوقها:

وتعظم في عين الصغير صغارها ... وتصغر في عين العظيم العظائم

وقال آخر:

له همم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجلُّ من الدهر

والإسلام يحث على هذا الخلق النبيل؛ فإن الفتوحات العظيمة، والمشروعات الجليلة، والعبقرية والعلوم إنما هي آثار الهمم الكبيرة، فابن حزم عندما ترك الوزارة حتى ينقطع للازدياد من العلم، إنما فعل ما فعل منساقاً بكبر همته.

وأما الوفاء بالعهد، فمن أعز الأخلاق التي رفع الإسلام شأنها، وشدّد الوعيد على الإخلال بها، فأوجبه على الأفراد لتهذيب نفوسهم، وإصلاح معاملاتهم، وأوجبه على رجال الدولة لتثق الدول بمعاهداتهم، ويستقيم أمر سياستهم، قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: ٩١]، وقال تعالى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: ٤].

وقد نهى الدين المسلمَ أن يقول قولاً، ثم لا يعقبه بالنفاذ، وعدّ هذا من موجبات المقت عند الله، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٢].

ويدخل في الوفاء بالعهد: الوفاء بالوعد مع القدرة على الوفاء، وهذه الآية الكريمة شاهدة على وجوب الوفاء بالوعد؛ إذ أصبح الموعود به من الخير حقاً من حقوق الموعود، وإخلافه كأنه اعتداء عليه.