للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بإهانة، فإن من مقاصد الشريعة: أن تتمتع الأمة بحياة طيبة، ولا حياة طيبة مع احتمال الذلة، ومن مقاصدها: أن تكون للأمة دولة قوية السلطان، مهيبة الجانب، وخلقُ العزة هو الذي يمنعها من أن تخفض جناحها لمن يريد أن يسومها ضيماً، وخلقُ العزة يدعو الإنسان إلى تجنب كل ما قد يجره إلى مهانة، فقد ينبه الموظف لأن يقوم بالمهمة التي تناط به كراهة أن يسمع عتاباً جافياً من رئيسه المسؤول عنه، وخلق العزة يتجه بالإنسان القادر على العمل إلى أن يعمل ويصرفه عن التشوف إلى ما في أيدي الناس.

وأما التواضع، فهو أن يكون الإنسان عارفاً بقيمة نفسه في فضل أو علم، ويسير مع الناس سيرة نقية من الكبر والإعجاب بالنفس، وبمثل هذا تتأكد روابط الألفة بينه وبين الطبقات الكثيرة من الناس، والقرآن الكريم يسمي التواضع بخفض الجناح، قال تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥)} [الشعراء: ٢١٥]، وقال في التواضع للوالدين: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: ٢٤].

وإنما يتواضع الإنسان لمن يقدره قدره، ويعد خفض جناحه له من سماحة نفسه:

تواضعْ لمن إن تواضعت له ... يرى ذاك للفضل لا للبلَهْ

وجانب صداقة من لا يزال ... على الأصدقاء يرى الفضل لَهْ

وأشار أحد الشعراء إلى أن في الناس من يخطئ في فهم بعض ما يتحلى به أهل الفضل من التواضع؛ كما يخطئون في فهم بعض ما يتجملون به من العزة، فقال:

وفي الناس من عدَّ التواضع ذلَّة ... وعدّ اعتزاز النفس من جهله كبرا