على طريقته يمشي، وبقوله يأخذ، ولكن لم تبرح الأئمة يعترض متأخرها على متقدمها، ولا يشينه ذلك، بل يزينه" (١).
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في مناظرة جرت بينه وبين زعماء الشيعة: "إنك إذا سمعت أني أشعري، كيف حكمت عليّ بأني مقلد للأشعري في جميع قوله؟ وهل أنا إلا ناظر من النظّار، أدين بالاختيار، وأتصرف في الأصول بمقتضى الدليل؟ ".
ولإمام الحرمين كلام عرض فيه نموذجاً من مذهب الأشعري في العقائد، فيذكر المذاهب الواقعة في جانب الإفراط أو التفريط، ويريك كيف سلك الأشعري بينها مذهباً وسطاً، وإليك ملخص ذلك المقال:
إن لله علماً لا كالعلوم، وقدرة لا كالقدرة، وسمعاً لا كالأسماع، وبصراً لا كالأبصار، وإن العبد لا يقدر على الأحداث، ويقدر على الكسب، وإن الله يرى من غير حلول ولا حدود ولا تكيف، وإنه لا يحتاج إلى مكان، وهو بعد خلق المكان كما كان قبل خلقه، وإن النزول صفة من صفاته، والاستواء صفة من صفاته، وفعل فعله في العرش، وإن القرآن كلام الله قديم غير مغير ولا مخلوق ولا حادث ولا مبتدع، فأما الحروف المقطعة والأجسام والألوان والأصوات، وكل ما في العالم من المكيفات، مخلوق مبتدع مخترع، وإن المؤمن الموحد الفاسق هو في مشيئة الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه، ثم أدخله الجنة، أما عقوبة متصلة مؤبدة، فلا يجازي بها كبيرة منفصلة منقطعة،
(١) ومن هذا القبيل قول أبي الحسن الأشعري: إن البقاء صفة زائدة على الوجود، وقول القاضي أبي بكر وامام الحرمين والرازي: هو نفس الوجود في الزمان الثاني، لا أمر زائد عليه.