بالغ وإعجاب، فأسرف في إطرائها، وطاش قلمه في تفضيلها، ولو أراد الأستاذ أن يصف روح العصر الحاضر كما يصفه الناقد الرصين، لما أحس في نفسه الحاجة إلى أن يمهد لمديحه بلمز العصور الإسلامية حتى عهد الخلفاء الراشدين، ولكنه استحب أن يرسل قلمه في المديح مخلوعَ العذار، وأن يخيل إلى الناس صحة ما يدعيه من أن "روح العصر الحاضر نفحة إلهية"، فذهب يفتش في تاريخ صدر الإسلام، ويلتقط ما حدث فيه من فتن ومنازعات، ولم يجد في صدره حرجًا أن يتعرض لعهد الخلفاء الراشدين، وهو يخاطب شبانًا يحتاجون إلى ما يذكرهم بعظمة أسلافهم، ولا خير لهم في أن يرسم لماضي أمتهم صورة مشوهة، ثم يضع لحاضر أوربا صورة يدعي لها من الكمال ما لا تعرفه أوربا نفسها. ولو سلك الأستاذ في إغمازه وإطرائه طريق الإنصاف، لوجد من لدناّ عذراً، ولكنه يعتسف الحديث اعتسافاً.
نبش الأستاذ تاريخ صدر الإسلام منقباً عما حدث فيه من فتن، ثم قال:"فإن العناصر الأدبية التي تتألف منها الروح العصرية أرقى بما لا يقدر من كل ما سبقه من العصور الخالية".
ذكر الأستاذ في جملة ما أغمز فيه من العصور الخالية عصرَ الخلفاء الراشدين، ثم حكم بأن العصر الحاضر أرقى أدبًا من كل ما سبقه من العصور الماضية، فهو لا يبالي أن يجعل العصر الحاضر أفضل من ذلك العصر الذهبي، وأرجح وزناً. ولو كان الأستاذ يتحدث عن العلوم الكونية، والفنون والصنائع، والبراعة في الاختيل، لما وجد منازعاً في أن نصيب العصر الحاضر من هذه العلوم والفنون أوفر من أنصباء ما سبقه من العصور الخالية، ولكنه يتحدث عن أدب النفس، وكل إنسان يدرس علم أحوال النفس بألمعية ثاقبة، ونظر