مطمئن، ثم يقيس حال الناس اليوم بحال الناس في صدر الإسلام، ينكر على الأستاذ هذا التفضيل، ويراه مرتكباً في حكمه شططاً.
وإذا أخذ علم الأخلاق في هذا العصر بحثاً أوسع، وظهر في أسلوب أبدع، فإن كفة عصر الخلفاء الراشدين من جهة العمل بما تقتضيه أصول الأخلاق الكريمة لا تزال راجحة.
وقال الأستاذ في ذلك المقال:"كان الناس في الأزمان السالفة يعتبرون الحق للقوة، فكان القوي يتحكم في الضعيف، فيسخره لمنفعته، أو يبيده، لا ينازعه في ذلك منازع، وكانت الشعوب الضعيفة تفنى في الشعوب القوية تحت تأثير الأسر المكتسب بحق الفتح، وليس في العالم من يقول بهذا المذهب، وأشد الناس إنكاراً له الأقوياء أنفسهم ".
إن كان الأستاذ يتحدث عن قوانين يشرعها بعض الدول، فالإسلام قد سبق إلى قاعدة المساواة في الحقوق، وحارب ما عساه أن يخالط. النفوس العاتية من أن الحق للقوة، وإن كان يتحدث عن آراء يقررها بعض الكتاب أو الخطباء، فلحكماء الصدر الأول أقوال بالغة غاية العدل والعطف على الإنسانية؛ وإن قصد من ذلك الإطراء السيرة العملية، فدولة الخلفاء الراشدين ومن نحا نحوهاة كدولة عمر بن عبد العزيز إنما قامت على قاعدة العدل والمساواة، وغلّ أيدي الأقوياء أن تمس الضعفاء بسوء. وإذا كان في دول الإسلام أفراد من الأقوياء يسخِّرون بعض الضعفاء في منافعهم، فلهم في هذا العصر الذي سماه:"نفحة إلهية" أشباه ليسوا بأقل منهم عدداً، ولا أخف على الأعناق وطأة. ولو ضرب الأستاذ في الأرض، أو صرف شيئاً من وقته في استكشاف أحوال الجماعات لأبصر كيف يعيش الضعفاء تحت سلطان