الاستعمار الغاشم، ولأحجم عن أن يقول: ليس في العالم من يقول بمذهب تحكّم القوي في الضعيف، وتسخيره لمنفعته وإبادته، وأشد الناس اتقاء له الأقوياء أنفسهم.
وهل عرف الأستاذ كما عرفنا حق اليقين أن القوي في كثير من البلاد (وهو الأوربي) يقتل الضعيف - أعني: المسلم - رمياً بالرصاص، ولم نسمع قط أن محكمة حكمت على هذا الصنف من الأقوياء بالسجن، فضلاً عن القصاص. ولو كانت محاضرتنا هذه سياسية، لملأنا النادي شواهد على أن الأقوياء في هذا العصر لا يألون جهداً في إبادة الضعفاء، وتسخيرهم لمنافعهم ما لم يجدوا نارًا أحز من نارهم، أو حديداً أصلب من حديدهم، وإن في قضية تنصير البربر، وحوادث طرابلس الغرب لعبرة لأولي الأبصار.
قال الأستاذ:"كان الناس لا يأتون الفضائل، ولا يتجنبون الرذائل إلا خوفاً من عقاب، أو طمعاً في ثواب، واليوم يطلبون الفضيلة باعتبار أنها أجدر بكرامة الإنسانية، ويكرهون الرذيلة باعتبارها أنها من الصفات البهيمية".
أدرك الناس في صدر الإسلام الفضيلة فالتزموها، وعرفوا الرذيلة فتجنبوها، ومن درس التاريخ مجرداً من كل عاطفة، يشهد أن الفضيلة كانت سائدة في ذلك العهد أكثر مما هي سائدة اليوم، ومن أين أتى للأستاذ أن أهل ذلك العهد لا يأتون الفضيلة باعتبار أنها أجدر بكرامة الإنسانية، ولا يتجنبون الرذيلة باعتبار أنها من الصفات البهيمية؟ فإن قال: إنهم يعتقدون أنهم يثابون على الفضيلة، ويعاقبون على الرذيلة، قلنا له: هذا الاعتقاد لا يمنع من أن يدخل في قصدهم إلى الفضيلة التحلي بما هو كمال إنساني، ويدخل في قصدهم إلى تجنب الرذيلة الترفع عما هو من صفات البهيمية.