وإذا وجد في هذا العصر طلب الفضيلة لمجرد أنها أجدر بالكرامة الإنسانية، فإنه لا يزيد عن أن يكون في أفراد أنبتت العصور السالفة أمثالهم، فمن المبالغة غير المقبولة أن يذكر هذا على أنه عنصر من العناصر التي امتاز به العصر الحاضر عن كل ما تقدمه من العصور.
قال الأستاذ:"كان الناس في الأيام الخالية يعتبرون عبيداً لحكوماتهم، واليوم تعتبر الحكومات خادمة للناس".
ما كان للأستاذ أن يطلق في دعوى أن الناس في الأيام الخالية يعتبرون عبيداً لحكوماتهم، فإن دولة الخلفاء الراشدين إنما قامت على أساس أن تكون خادمة للناس، وأن يبقى الناس كما ولدتهم أمهاتهم أحراراً، وقد كان هذا المعنى متمثلاً في ذلك العهد بأجلى مظهر وأكمل صورة، ولو ضرب الأستاذ في الأرض جنوبًا، أو شرقاً وغرباً، لترفق في هذا الحكم المطلق، وصاغ عبارته في غير هذا الأسلوب.
قال الأستاذ:"لا يزال للضعفاء وللشعوب المقهورة ما يشكون منه، ولكنهم فيما يشكون يعتبرون مطالبين بحقوق طبيعية، وتعطى لهم الحرية العامة للدفاع عنها بكل وسيلة مشروعة، ولهم أن يعمدوا إلى التحكيم، وأن يرفعوا ظلاماتهم للمحاكم الدولية ضد غرمائهم الأقوياء، وأن يعقدوا المؤتمرات للبحث في شؤونهم العامة، وبون بعيد بين هذه الحالات والحالات التي سبقتها في القرون الماضية".
كان المظلومون في عهد الخلفاء الراشدين ومن نحا نحوهم في العدل يعتبرون مطالبين بحقوق طبيعية، وتعطى لهم الحرية التامة للدفاع عنها بكل وسيلة مشروعة، ويجدون من اليد المستأصلة للظلم ما لا يجده كثير من