المظلومين في هذا العصر، ولو درس الأستاذ أحوال شعوب كثيرة تصلى نار الاحتلال الأجنبي بكرة وعشيًا، لما قال:"ولهم أن يعمدوا إلى التحكيم، وأن يرفعوا ظلاماتهم للمحكم الدولية ضد غرمائهم"، وها هي تلك الحكومات القاسية لا تسمح لشعب وضعت عليه يدها أن بحاكمها في شيء، ومن يحرك لسانه بطلب محاكمتها، سامته الخسف وعذاب الهوان، ولو انفلت طائفة من يدها، وتصدوا إلى محاكمتها، لما وجدوا محاكم دولية تسمع نداءهم، أو تخفف شيئاً من ويلاتهم، والحكومة التي ترى من يتحدث بمحاكمتها، فتكتم غيظها، إنما تعتمد على أن ليس هناك محاكم دولية تقصد أو تستطيع أن تخلص المظلوم من أسرها.
يبالغ الأستاذ في تفضيل العصر الحاضر على كل ما سبقه من العصور، حتى نسب إليه ما ليس من روحه في شيء. وإن تعجب، فعجب قوله:"كان الناس لا ينفقون أموالهم لتخفيف الويلات إلا طمعاً في أن تضاعف لهم في الدنيا وفي الآخرة، واليوم يبذلون باعتبار أن الإنفاق في هذا السبيل واجب لا يصح التخلف عنه، غير منتظرين من ورائه جزاء ولا شكوراً".
في المنفقين من يبذل المال للسمعة، وفيهم من يبذل المال ابتغاء رضوان الله، أو رجاء ثوابه في الآخرة، أو ازدياد نعمه عليه في الدنيا، وعلى هذا تدور مقاصد الإلهيين من الإنفاق القديم والحديث، وإذا استطعت أن تصدق أن ملحداً ينفق شيئاً من ماله خفية، فإنما هو منقاد بالعاطفة إلى ناحية يشعر بأن في الإنفاق فيها ما يعود عليه بمنفعة، فعلى فرض أن يوجد في الملاحدة من يبذل المال لإصلاح عشيرته أو أمته، لا يراعي جزاء منها ولا شكوراً، نقول: إنه مدفوع إلى الإنفاق بعاطفته نحوها، مراعياً أن سلامتها وصلاح شأنها