والمراد: أن صاحب المروءة لا يتخذ الظهور بخلاف ما يضمر عادة مثلما يفعل قوم لا تشمئز نفوسهم من الملق والرياء، أما إذا اقتضت الحكمة إخفاء بعض ما يضمر من نحو العداوة والصداقة، فإن اتباع ما تقتضيه الحكمة من مكملات المروءة.
ويتصل بهذا الأدب أدب آخر، وهو: أن لا يفعل الرجل في الخفاء ما لو ظهر للناس لعدّوه من سقطاته. وقد رفع محمد بن عمران التيمسي شأن هذا الأدب حتى جعله هو المروءة، فقال لما سئل عن المروءة: أن لا تعمل في السر ما تستحي منه في العلانية.
وعمل القبيح في السر يدل على أن تجنبه في العلانية تصنّع ورياء. والمروءة أن يجتنب الرجل القبائح لقبحها، ووخامة عاقبتها.
وإذا وجد في الناس من فيه استعداد لأن يعاشر من يحملون له في أنفسهم عداء واستهانة بشأنه، ولا يبالي أن يلاقيهم صباحاً ومساء لغير ضرورة، فإن صاحب المروءة يستطيع أن يلاقي الناس بطلاقة وجه، ولسان رطب، غير باحث عما تكنّه صدورهم من مودة أو بغضاء، ولكنه لا يستطيع أن يرافق ويعاشر إلا ودوداً مخلصاً.