للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويالشجاعة الأدبية يكون الناس على بصيرة من الحق والباطل، والصواب والخطأ، فيقيمون الحق، ويرجعون إلى الصواب.

ومن الآيات الواردة في تربية الشجاعة الحربية قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: ١٠٤].

ذكَّر المسلمين في هذه الآية بأن ما عسى أن يلاقوه من آلام الحروب، يلاقي خصومهم مثلها، فكأنه يقول لهم: لا ينبغي أن يكون خصومكم، وهم أشياع الباطل، أصبر على الآلام، وأثبت في مواقف الأخطار منكم، وأنتم حماة الحق، والدعاة إلى الخير، ولا سيما حماة ودعاة يرجون من نصر الله وجزيل مثوبته ما لا يرجوه أعداؤهم الغاوون المفسدون.

ربّى الإسلام بهذه الآية خلق الشجاعة في النفوس، فأخرج أمة لا تهاب الخطوب، وترى الموت في سبيل إعلاء كلمة الحق، أو الاحتفاظ بالكرامة، خيراً من ألف حياة يقضيها صاحبها في هون، أو في مشاهدة الباطل يمشي في الأرض مرحأ، وكان أولئك الذين ربّاهم الإسلام، وبثَّ فيهم روح البطولة، يتشوقون إلى الإقدام، وينطقون في هذا الشأن بحكمة بالغة.

انظروا إلى قول أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - في وصيته لخالد بن الوليد: "احْرِصْ على الموتِ توهَبْ لك الحياة" يريد بهذا: حثّه على اقتحام مواقع القتال، والخوض في غمراتها خوضَ من ينشد الموت. والحياة العزيزة والفزع من الموت لا يلتقيان بأرض حتى يلتقي البصر والعمى في عين واحدة.

ومما ينظر إلى معنى حكمة الصديق: قول الحصين بن الحمام:

تأخَّرْتُ أسْتَبْقي الحياةَ فلَمْ أَجِدْ ... لنفسي حياةً مِثْلَ أنْ أتقدَّما