ولا يُعَدُّ الاستخقاف بالموت شجاعة في كل حال، بل الشجاعة: رباطة الجأش، والثبات في سبيل الدفاع عن حق، أو كرامة، فالمنتحر لحرمانه من شهوة، أو لوقوعه في بلاء، لا يسمّى شجاعاً، بل هو جدير - كما قال أرسطو - بأن يسمى: جباناً، بل أقول: إن انتحاره نشأ من ناحية استعظام فوات تلك الشهوة، أو حصول ذلك البلاء، حتى تخيله أشد ألماً من الموت. فالانتحار في الحقيقة أثرُ فَقْد الرجل لفضيلة الصبر على الشدائد، وما ينشأ عن فَقْدِ فضيلة لا يصح أن يسمى فضيلة أخرى.
وما زال الحكماء ينصحون الناس أن لا يقدموا على موقع خطر، إلا أن تكون فائدة الإقدام أكبر من خسارته، قال أبو الطيب المتنبي:
الرأيُ قبل شَجاعةِ الشُّجْعانِ ... هُوَ أوّلٌ وهي المَحَلُّ الثّاني
وإذا هُما اجْتَمعا لنَفْسٍ حُرَّةٍ ... حازَتْ من العَلْياءِ كُلَّ مكانِ
في الشباب شجاعة، وفي الشيوخ تجارب، فإذا صدرت شجاعة شباب الأمة عن آراء شيوخها الحكماء، فلا جَرَمَ أن يكون لها الموقف الحميد، والأثر المجيد.
يظهر أثر الشجاعة الأدبية في: إقامة شعائر الدين، وتقويم الأخلاق، وإصلاح السياسة، وانتظام المعاملات بين الناس.
فالشجاعة الأدبية هي التي تطلق لسان العالِم الأمين بوعظ جاهل غليظ القلب، أو مترف متشعب الأهواء، أو صاحب سلطان لا يحب الناصحين، يعظه ليؤدي طاعة يثقل عليه أداؤها، أو ليتعلق بفضيلة كان منقطعاً عنها، أو ليستقيم في سياسة انحرف عن رشدها، أو يعدل في قضايا جار في أحكامها، أو يحترم في معاملته حقوقاً أجحف بها.