والشجاعة الأدبية تدعو الرجل إلى أن يؤدي الشهادة على نحو ما علم، دون أن يهاب عند أدائها ذا جاه أو سطوة.
ولولا الشجاعة الأدبية يضعفها الله في قلوب كثير من الشهداء، لحرم كثيراً من الضعفاء حقوقاً يستولي عليها الأقوياء، ولا سبيل لخلاصها منهم غير القضاء العادل، قال تعالى:{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}[البقرة: ٢٨٣].
ولا ينتظم العدل لقاضٍ، إلا أن تكون فيه شجاعة أدبية؛ إذ هي التي تساعده على أن يقضي للضعيف على القوي، كما فعل كثير من القضاة في قضايا كان المدعي فيها رجلاً من السوقة، والمدعى عليه أميراً، أو خليفة، فحكموا للسوقي على ذلك الأمير أو الخليفة، لا يخافون في الحق لومة اللائمين، أو عقوبة المستبدين.
ومما حدثنا به التاريخ: أن ابن بشير قاضي قرطبة نظر في قضية رفعها بعض التجار على الخليفة عبد الرحمن الناصر، فقضى للتاجر على الخليفة، وذهب إلى الخليفة يخبره بالحكم، ويهدده بالاستقالة من القضاء إن لم يقرن الحكم بالتنفيذ، قال الله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[المائدة: ٤٧].
والشجاعة الأدبية تقف بالرجل في حدود ما يعلم، فيصدر فتواه في صراحة، لا يقول غير ما يعلم، ولا يرتكب طريق المواربة إرضاء لذي وجاهة أو سلطان.
يحدثنا التاريخ أن المأمون فتن الناس بمسألة:(خلق القرآن)، وأن الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - كان المثال الكامل للشجاعة الأدبية، فلم يجبن