للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

احتمال الضيم عجز، والعاجز لا يرجى لدفع ملمّة، ولا للنهوض بمهمّة.

قال المتلمّس:

ولا تَقْبَلَنْ ضَيْماً مخافَةَ مِيتَةٍ ... وموتَنْ بها حُرّاً وجِلْدُك أَمْلَسُ

وضربوا لاحتمال الضيم أبشع الأمثال، وأشدها تنفيراً منه، فقال المتلمس أيضاً:

ولا يُقيمُ على ضَيْمٍ يُرادُ بهِ ... إلاَّ الأذلّانِ عَيْرُ الحيِّ والوَتَدُ

هذا على الخَسْفِ مَرْبوطٌ بِرُمَّتِهِ ... وذا يُشَجُّ فلا يَرْثي لَهُ أحَدُ

ونبهوا على أن حرية النفس والإقامة على ضيم لا يجتمعان أبداً، فقال الشنفرى:

ولكنَّ نفساً حُرَّةً لا تُقيمُ بي ... على الضَّيْمِ إلّا رَيْثما أتحوَّلُ

وأشاروا في حكمهم إلى أن ذوي النفوس الزكية يتجافون عن مواطن الضيم، وينأون عنها، ولو إلى مواقع الخطوب الدامية، قال معن بن أوس:

إذا أنْتَ لَمْ تُنْصِفْ أخاكَ وجَدْتَهُ ... عَلى طَرَفِ الهجران إنْ كانَ يَعْقِلُ

ويرْكَبُ حدَّ السَّيْفِ مِنْ أنْ تُضيمَهُ ... إذا لم يَكُنْ عن شَفْرَة السَّيفِ مَزْحَلُ

وإباءة العرب للضيم أيام جاهليتهم ملأت أعين الدول المجاورة لهم مهابة، فعاشوا ولم يكن لواحدة من تلك الدول عليهم من سبيل.

قال النعمان بن المنذر يصف العرب في محادثة له مع كسرى: "وأما عزّها ومنعتها (يعني: العرب)، فإنها لم تزل مجاورة لآبائك الذين دوّخوا البلاد، ووطدوا الملك، ولم يطمع فيهم (أي: العرب) طامع، ولم ينلهم نائل".