إباءة الضيم خلق محمود أينما حل، وأهم موقع له نفوس الرجال الموكول إليهم تدبير شؤون الأمة، وتنفيذ ما يحقق آمالها، وإنما تسقط الأمة في هاوية الاحتلال الأجنبي، إذا وقع زمام أمرها في يد من صغرت همته، فلا يغضب للضيم الذي يلقى على عنقه، ويسوق الأمة بعصاه إلى جهل وفقر وشقاق.
وأذكر أن أحد قواد الأسبان وقع أسيراً مع ابنته في يد أمير أندلسي، فأخذت ابنته الفتاة تظهر التودد للأمير الأندلسي، ولكن حزمه أبى له أن ينحدر مع شهوته، ويقرِّبها إليه حتى فُتِّشَتْ، فوُجد معها منديل صغير مُشَرِّبٌ بِسُمّ، وكان قد أرادت أن تغتال به الأمير عند اتصاله بها، فابتعد منها، وقال: لو كان قلب هذه الفتاة في صدر أبيها، ما تغلبنا عليه، ولا وقع في أسرنا!.
والضيم من أي معتدٍ صدر، شديدُ الوقع، خبيث الطعم، ولكن الضيم الذي يلحق الإنسان من وضيع مَلَك قوة، أو اعتز بذي قوة، يكون وقعه في نفسه أشد إيلاماً من ضيم يلحقه من عظيم في قومه. وقد أشار إلى هذا حاتم الطائي حين لطمته جارية وهو أسير في بعض أحياء العرب، فقال:"لو ذات سوار لطمتني! ".
وأذكر بهذا: أن من أشد النكبات تمزيقاً للقلوب مدّ اليهود الصهاينة أيديهم إلى بلاد عربية إسلامية ليضعوها تحت سيطرتهم الغاشمة. ولنطوِ الحديث عنهم وعن الدول التي انحازت إلى جانبهم، وظلت تنحط في أهوائهم، وتسارع إلى العمل لتثبيت أقدامهم، فستقدر هذه الدول يقظة الشرق قدرها، وتعرف أن السلام العام الذي تزعم أنها تنشده لا يتيسر، وللصهيونيين طمع في أن يقيموا في قلب الأمة العربية الإسلامية دولة.