للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن الحكمة أن يعمل الإنسان للتخلص من الضيم، بعد شيء من التدبر وإحكام الرأي، حتى لا تفضي به مكافحة الضيم الصغير إلى ضيم أفظع منه، أو تفوت على الجماعة مصلحة أو مصالح كبيرة، لا يُعَدُّ ذلك الضيم في جانبها شيئاً مذكوراً، وأورد في بيان هذا مثلين:

أحدهما: من السيرة النبوية، وثانيهما: من التاريخ الصحيح.

أما السيرة، فقد جاء في قضية الحديبية: أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عقد مع المشركين صلحاً، قد يبدو في أول النظر أن فيه إجحافاً بحقوق المسلمين، حتى إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جاء إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: "بلى". قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟! قال: "أنا عبد الله ورسولُه، لن أخالف أمره، ولن يضيعني".

ومن نظر في الفوائد التي ترتبت على هذا الصلح، وجدها من العظم بحيث لا يعد الصلح وقبولُ ما تمسك به المشركون من الشروط إلا شيئاً لا يقام له وزن، وعرف أن السياسة التي سار عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقومُ سبيلاً مما بدا لعمر بن الخطاب في نظرته الأولى.

وأما التاريخ: فإن الإسبان لما طغوا على ملوك الطوائف بالأندلس، وشعر هؤلاء الملوك بضعفهم عن مقاومتهم، ظهر للمعتمد بن عباد ملكِ إشبيلية أن يستعين في دفاعهم بسلطان المغرب يوسف بن تاشفين، فقال له بعض أولئك الملوك: نخشى أن يدخلَ بلاد الأندلس، ويردَّ العدو، ثم يبسط سلطانه علينا، فقال المعتمد تلك المقالة الخالدة: "لأن أرعى الجمال خير من أن أرعى الخنازير! ".