والقرآن يملأ النفوس بعظم الهمة، وهذا العِظَمُ هو الذي قذف بأوليائه ذات اليمين وذات الشمال، فأتوا على عروش كانت ظالمة، ونسفوها من وجه البسيطة نسفاً، ثم رفعوا لواء العدل والحرية والمساواة، وفجّروا أنهار العلوم تفجيراً. وإذا رأينا من بعض قرّائه همماً ضئيلة، ونفوساً خاملة، فلأنهم لم يتدبّروا آياته، ولم يتفقهوا في حكمه.
* فضل عظم الهمة:
يسمو هذا الخُلُق بصاحبه، فيتوجه به إلى النهايات من معالي الأمور، فهو الذي ينهض بالضعيف يُضطهد أو يُزدرى، فإذ هو عزيز كريم. وهو الذي يرفع القوم من سقوط، ويبدلهم بالخمول نباهة، وبالاضطهاد حرية، وبالطاعة العمياء شجاعة أدبية.
هذا الخلق هو الذي يحمي الجماعة من أن تتملق خصمها، وتسل يدَها من أسباب نجاتها ومنعتها.
أما صغير الهمة، فإنه يبصر بخصومه في قوة وسطوة، فيذوب أمامهم رهبة، ويُطرق إليهم رأسه حِطّة، ثم لا يلبث أن يسير في ريحهم، ويسابق إلى حيث تنحط أهواؤهم.
نعم، يورِد هذا الخلق صاحبه موارد التعب والعناء، ولكن التعب في سبيل الوصول إلى النهاية من معالي الأمور يشبه الدواء المرّ، فيسيغه المريض كما يسيغ الشراب عذباً بارداً، وعظيم الهمة قد يشتد حرصه على الشرف، حتى لا يكاد يشعر بما يلاقيه في سبيله من أنكاد وأكدار.
وربما كان الشرف الذي يركب له الأخطار والشدائد أعزّ وقعاً وأدلّ