أحدهما، لا يدخل في حقيقة الصدق، بل يندرج تحت اسم الكذب، والكذب ذو ضروب وألوان.
للصدق صورة واحدة، وهي أن تصوغ القول على نحو ما تعتقد، ويكون اعتقادك مطابقاً للواقع؛ كأن تقول وأنت الناصح الغيور: سلطة العدو أمَرُّ من الصبر، وأشد مضاضة من وقع الحسام.
وللكذب ثلاث صور:
إحداها: ما يخالف الواقع والاعتقاد؛ كمن يتملّق فاسقاً أو باغياً، فيصفه بالاستقامة، وهو على بينة من سيرته المغضوب عليها.
ثانيتها: ما يخالف الاعتقاد، ويطابق الواقع؛ كالزائغ المنافق ينطق على نحو ما ينطق به أولو الحكمة والهداية.
ثالتتها: ما يخالف الواقع، ويطابق الاعتقاد؛ كالغبي يعتقد صلاح بعض الفجّار؛ فيصفه بالولاية أو التقوى.
هذه صورة الكذب في مجاري كلام العرب، وقد رأيتموها ممثلة في المتملق والمنافق والغبي. والذي يرجع عيبه إلى الأخلاق العملية من هذه الصور ما جاء الحديث فيه مخالفاً للاعتقاد، وسواء بعد هذه أخالف الواقع أيضاً، وهي الصورة الأولى، أم كان مطابقاً للواقع، وهي الصورة الثانية.
وبيان هذا: أن الباحث في الأخلاق العملية، يوجِّه عنايته إلى نفس المتكلم حين إلقائه الحديث، وينظر إلى اعتقاده وما بينه وبين الحديث من مطابقة أو مخالفة، فإن وجد الرجل يسوق الحديث على غير ما يعتقد، وضع عليه اسم الكذب، وعدّه في جملة هذه الرذيلة الساقطة، ولو اتفق لحديثه أن كان مطابقاً للواقع، وان وجده يلقي الحديث على نحو ما يعتقد، لا يعده في