أصحاب رذيلة الكذب، وإن لم يجئ حديثه موافقاً للواقع.
وهذا الذي تحدث عن اعتقاد، وجاء حديثه مخالفاً للواقع، لا يرميه الباحثون في الأخلاق بسبّة الكذب، وقد يؤاخذ من جهة أخرى، وهي انقياده إلى الظنون الواهية، وحديثه عن الأمر قبل التثبت من أنه حقيقة واقعة.
فالكذب في إطلاق علماء الأخلاق ينصرف إلى من يحدثك بالأمر، وهو يعتقد أنه غير واقع، ومعظم ما ورد في الشريعة من ذم الكذب محمول على أولئك الذين تنطق عليك ألسنتهم بأشياء يزعمون أنها واقعة، وقلوبهم تنكرها.
* الاحتراس في صدق اللهجة:
يحدثك الرجل عن أشياء يحس بها في نفسه؛ كالحب والبغض، والعطش والري، ويحدّثك عن أمور يدركها بمحسّاته الخمس: البصر والسمع وغيرهما. وهو فيما يدركه بإحساسه الباطن، أو إحساسه الظاهر يستطيع ألا يحدثك إلا بما يطابق الواقع والاعتقاد، فالرجل الصادق لا يقول:"أحببت" وهو يبغض، ولا يقول:"سمعت"، أو "رأيت" إلا إذا سمع أو رأى.
وقد يحدثك عن حادثة تلقّى خبرها عن طريق الرواية، أو يحدثك عن أمر أدركه على وجه النظر والاستدلال، وهذان الصنفان هما يعثران به في مخالفة الواقع أحياناً، وينزلان به إلى أن تحوم حوله الظنون. فعلى صادق اللهجة أن يحترس فيما يتحدث به عن رواية، أو يتحدث به عن ظنٍّ واستنباط.
والاحتراس في الأخبار التي تجيء من طريق الرواية: أن لا يحدث بها قبل أن ينقدها نقداً بالغاً، وإن بدا له أن يخبر بها على نحو ما سمعها، فليذكر أسماء رواتها حتى يبرأ من عهدتها.