والاحتراس في الحديث الذي يستند فيه إلى ظن وأمارة: أن لا يطرحه إلى الناس في صورة المقطوع به، بل ينبه على أنه تحدث به على وجه الظن؛ كما يصنع كثير من الملأ الذين يعافون الكذب، ويريدون أن يجعلوا بينه وبين ألسنتهم حجاباً مستوراً.
فسياج صدق اللهجة: الاحتراس في الحديث المستند إلى رواية أو ظن، ومن حدثك بما علم، واحترس فيما روى أو ظن، فقد قضى حق فضيلة الصدق ووفى.
* صدق اللهجة والمجاز:
لا يخرج عن حدود الصدق ما يجري على ألسنة البلغاء من ضروب الكناية وفنون المجاز؛ كأن تقول لشخص: جئتك ألف مرة، تكنى بالألْف عن كثرة التردد، ولا تريد بها عدد المرات. وكأن تقول: رأيت أسداً مخلبه الحسام، وأنت تريد بطلاً لا يلوي جبينه من منازلة الأقران.
وقد جاء في كتب الأصول: أن قوماً منعوا أن يكون في القرآن مجاز، وهم الظاهرية، ولا شبهة لهؤلاء إلا زعمهم أن المجاز من قبيل الكذب، والقرآن قول فصل وما هو بالهزل. وهذه الشبهة مدفوعة بقيام القرينة الدالة على أن المتكلم لا يقصد سوى معنى المجاز، وإذا كان قوله تعالى:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}[البقرة: ٢٥٧]. يحتوي قرينة تنفي أن يكون المراد من الظلمات: سواد الليل، ومن النور: بياض الشمس والقمر والسراج، لم يكن هناك إخبار بما يخالف الواقع أو الاعتقاد، حتى يتناوله اسم الكذب الذي لا يحوم على كتاب الله في حال، وإنما الكذب ذلك الإغراق أو الغلو الذي يضعه الشاعر خيالأ بحتاً؛ كقول بعضهم: