فالمعاملات؛ كالبيع، والإجارة، والقرض، والشركة لا يتسع مجالها ويستقيم سيرها إلا أن تديرها لهجة صادقة، والأمة التي تسود فيها فضيلة صدق اللهجة، حتى يكون القائم بأي عمل موضع ثقة الجمهور، تتقدم حالتها الاقتصادية، ولا يجد عدوها الوسيلة إلى مزاحمتها في نحو التجارة والصناعة.
والصداقات التي تجعل أفراد الأمة كالجسد الواحد، إنما يشتد رباطها على قدر ما يكون لهؤلاء الأفراد من الاحتفاظ بصدق اللهجة.
وقد يكون للكاذب صديق من صنف أصدقاء المنفعة، ولكنه لا يستطيع أن يتخذ من إخوان الفضيلة صديقاً حميماً.
فالذي يستهين بالكلمة الكاذبة يطلق بها لسانه، يؤذي نفسه، ويرهق المجتمع خللاً وفساداً، فالكاذب لا يعد عضواً أشل فقط، وإنما هو عضو يحمل دماً مسموماً لا يلبث أن يسري إلى الأعضاء المتصلة به فيؤذيها.
* أثر صدق اللهجة في العلم:
يمرق الرجل من فضيلة الصدق على طرق شتى، وأبعد هذه الطرق ضلالاً: أن يتحدث في العلم بما ليس من العلم، أو يضيف إلى أحد قولاً لم يصدر عنه، يفعل هذا من يرغب في التفوق على قرين ينافسه، أو يرغب في أن تطير له سمعة أعلى من منزلته، ومن يحاول التفوق على قرينه بزخرف من الباطل، فهو أخو الساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى.
ومن رضي بأن تكون سمعته فوق منزلته، فإن وراء السمعة عقولاً تزن الرجال بالآثار، فلا يدعون السمعة تغلو في طيرانها، بل يأخذون بناصيتها، ويهبطون بها إلى أن تكون مع منزلة صاحبها على سواء.
ولو أيقن أولئك الذين يدسون ما ليس من العلم: أن من حولهم