للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بصائر نافذة، وأقلاماً ناقدة، لما انسلخوا من لباس الصدق، ولكنهم قوم لا يوقنون.

يتحدث العالِمُ في غير صدق، فتذهب الثقة به من القلوب، ويذهب معها شطر علمه، وهو ما يرجع إلى النقل والرواية. وكم من منتمٍ إلى العلم اطلعوا له على اصطناعه خبراً، فطرحوه من حساب الموثوق بنقلهم! وكذلك الرجل يخرج عن أدب الصدق مرة، فيتعدى شؤمُ الكذب إلى سائر أقواله، فتوشك أن تذهب كما يذهب هذيان المبرسمين هزؤاً.

كذَبْتَ ومَنْ يَكْذِبْ فإنّ جَزاءَهُ ... إذا ما أتى بالصَّدْقِ أنْ لا يُصَدَّقا

* علل التهاون بصدق اللهجة:

ينحرف الرجل في حديثه عن قصد السبيل لدول مقبوحة، ومآرب دنيئة. وليس في وسعنا ذكر هذه الدواعي والمآرب، وإنما نسوق منها أمثلة تريكم أن من لا يقدر قيمة الصدق قد يبيعه بثمن بخس، وكل ما يرضى به ثمناً للصدق فهو بخس، ولو حثوا له من هذه الصفراء والبيضاء ما لا يأتي عليه حساب.

ينحرف الرجل عن الصدق ليتملق ذا مقام وجيه، وليتزلف إلى ذوي المقامات الوجيهة بقول الزور، إلا من صغرت نفسه، وضاق عليه مجال القول الصائب الحكيم.

نحن نعلم أن بعض ذوي المناصب قد مسخت فطرهم، فلا يرضون عمن يجلس إليهم إلا أن يدخل عليهم من باب التملق والنفاق، ونعلم - مع هذا - أن كرم الأخلاق يدعوك إلى أن ترعى حرية ضميرك، وتحافظ على صدق لهجتك، فأجب داعيه، وذر الذين يحبون أن تشيع فاحشة الملق في