ينحرف الرجل عن الصدق ليُغرِب على الناس، ويريَهم أنه صاحب سمر؛ حتى يخف عليهم ظله، ويرغبوا في منادمته، وإنما يفعل هذا من يحرص على أن يغشى كل منزل، وتتم به حلقة كل مجتمع. أما من يبتغي الحياة الزاهرة الشريفة، فيتقلد فضيلة الصدق في كل حال، ثم لا يوالي إلا أولي الجد، ولا يبذل خطواته إلا حيث تحترم الحقيقة والفضيلة.
وقد ينطوي بعض الناس على عداوة لشخص، فيرميه بمساوئ ليصرف عنه القلوب، ويسقط مهابته من العيون، ولا أشأم على الرجل من أن يناضل عدوه بالبهتان. ومن كانت له حاجة في أن يؤلم أعداءه، فإنه لا يؤلمهم بأشد من احتفاظه بمكارم الأخلاق، ومن أعزّ هذه المكارم: أن يكون حر الضمير، عفيف اللسان.
ومن الناس من إذا أخذ يحدثك في شأنه، أو شأن سلفه، أذِنَ لقريحته، فيخترع، وأطلق لسانه، فيرتع في غير واقع، والألمعية تشهد بأن الرجل لا يستطيع أن ينال بمثل هذا الحديث ذرَّة من فخر أو حمد، وربما قام حديثه هذا شاهداً على أنه لم ينشأ في أدب متين، فيطرح نفسه في زراية من حيث يريد أن يرفعها إلى فخار.
ومن لا يؤمن بأن خالق الكون يجازي هذه الألسنة على ما تصنع من تحريف أو تزوير، لا يبالي أن يلبس الحقيقة بالباطل، ويصوّر بلسانه أشياء ليس لها في الواقع من مثال.
ولا يكاد الملحد يحتفظ بصدق القول إلا حين يريد أن يتشبه بذوي المروءة، وحين يخشى افتضاح زوره، ويخشى من افتضاحه ضرراً.