الناس بما لا تعتقد، وهذا لا يحل لك، فقال: إنما يسألونني عن مذهب جرى في البلد فعرف، فأفتيهم به، ولو سألوني عن مذهبي، لأخبرتهم به.
وشمهل على العالِم السبيل لإفتاء القوم بمذهب إمام تقلدوه: أن المجتهد - وإن خالف غيره من المجتهدين في بعض الأحكام المستنبطة- يرى أن عادات كل مجتهد ومن يقلدون في مذهبه صحيحة؛ لأنها قائمة على الاجتهاد الذي هو أقصى ما كلفهم الله بالعمل عليه، وليس عليهم أن يكون اجتهادهم مطابقاً لما هو الصواب عند الله.
وممن لا يجيز للعالِم أن يحكم بمذهب غير راجح في نظره: أبو بكر الطرطوشي؛ فإنه كان ينكر ما يفعله ولاة قرطبة من أنهم إذا ولوا أحداً القضاء، شرطوا عليه أن لا يخرج عن قول ابن القاسم، وقال: هذا جهل عظيم.
والحق أن ولاية القضاة المتبعين لمذهب بعض الأئمة المقتدى بهم - عند فَقْد المجتهدين- صحيحة، ولوَليِّ الأمر أن يشترط عليهم الحكم بالمشهور، أو الراجح في مذهب بعينه عند الولاية؛ ضبطاً للأحكام، وسداً لأبواب اتباع الأهواء، ولا حرج في قضائهم على هذا الشرط، وان حكموا بما لا تطمئن إليه نفوسهم؛ فإن آراء من لم يبلغ رتبة الاجتهاد المطلق أو المقيد تسقط أمام آراء المجتهدين، وليس لها في نظر الشارع من قيمة، أما بالغُ رتبة الاجتهاد، فليس له أن يحكم بغير ما قامت الأدلة القاطعة أو الراجحة على أنه حكم الله الذي شرع لعباده.
وإذا كانت الأمانة في العلم منبع حياة الأمم، وأساس عظمتها، زيادة على أنها الخصلة التي تكسب صاحبها وقارًا وجلالة، كان حقاً علينا أن نعطف على نشئنا من طلّاب العلم، ونتخذ كل وسيلة إلى أن نخرجهم أمناء فيما