لهذا الرأي تبسم الازدراء، ولا يقيموا لمثله وزناً إلا أن يكشفوا سريرته، ويعرضوا على الأنظار سوء مغبته.
والعالِم بحق من يتدرَّعُ بالإيمان البالغ، والثقة بما وعد الله به الداعي إلى الحق من الظهور على أشياع الباطل، وإن أوتوا زخرفاً من القول، وسعة من المال، وكانوا أكثر قبيلاً.
لا ينبغي لأهل العلم أن يغفلوا عن سير أرباب المناصب والولايات، فمن واجبهم أن يكونوا على بينة من أمرهم، حتى إذا أبصروا عوجًا، نصحوا لهم بأَنَّ يستقيموا، أو رأوا حقاً مهملاً، لفتوا إليه أنظارهم، وأعانوهم على إقامته.
أمر السلطان سليم بقتل مئة وخمسين رجلاً من حفاظ الخزائن، فبلغ هذا النبا الأستاذ علاء الدين الجمالي، وكان متوليًا أمر الفتوى، فذهب إلى السلطان وقال له: وظيفة أرياب الفتوى أن يحافظوا على آخرة السلطان، وهؤلاء الرجال لا يجوز قتلهم شرعاً، فعليك بالعفو عنهم. فغضب السلطان سليم، وقال له: إنك تتعرض لأمر السلطنة، وليس ذلك من وظيفتك، فقال الأستاذ علاء الدين: لا، بل أتعرض لأمر آخرتك، وإنه من وظيفتي، فإن عفوت، فلك النجاة، وإلا، فعليك عقاب عظيم، فانكسرت سورة غضب السلطان، وعفا عن الجميع.
ومتى كان في ولاة الأمور شيء من العدل، وكان في الداعي إلى الإصلاح حكمة وإخلاص، نجحت الدعوة في سعيها، وبلغت بتأييد الله مأربها.
يكون العالِم رفيقاً في خطابه، ليناً في إرشاده، أما إذا أراده ذو قوة على أن يقول ما ليس بحق، أو يأتي ما ليس بمصلحة، أخذ بالتي هي أرضى للخالق، وكان مثالاً للاستقامة صالحاً.