عن النهضة المصرية - مثلاً - لا يحيد عن ذكر رجال استنارت عقولهم بين جدران الجامعة الأزهرية، ومن يتحدث عن النهضة التونسية ذكر في مقدمة رجالها فريقاً تلقوا معارفهم بين جدران الجامعة الزيتونية.
ولو استمر العمل لرقينا المدني بأيدي طوائف تجمع بين رجال الدين المصلحين، ورجال العلم الحديث المهتدين، لقطعنا في سبيل السعادة شوطاً أبعد مما قطعنا، ولكُنّا أثبت موقفاً وأقرب إلى أن يهابنا الذين يعملون لشقائنا، ولكن حركة تقدمنا لم تستمر على ما وصفنا، ومسها مرض إذا لم نبادر إلى إنقاذها منه، كان شرها أكبر من خيرها، وخيبتنا أقرب إلينا من نجاحها.
بليت نهضتنا المدنية بعلتين:
أولاهما: أن بعض نشئنا المتخرجين من مدارس غير إسلامية قد وقفوا موقف الدعوة إلى الإصلاح، ولم يصبروا أنفسهم على تعرف آداب الدين، فحادوا عن طريق الإصلاح النقية، ولم يبالوا أن يجهلوا على الدين، ويجحدوا أن يكون له في الحياة المدنية سلطان كبير أو صغير.
ثانيتهما: أن كثيراً ممن درسوا العلوم الإسلامية، تقاعدوا عن أن يخوضوا في شؤون الحياة المدنية، فكان انزواؤهم وزهدهم في منصب الإرشاد العام فرصة لظهور الدعايات المنحرفة عن الطريق المستقيم.
إن الأمة التي تأخذ بنصائح الدين، وتقتدي بآدابه في السر والعلانية، لهي الأمة التي يمكنها أن تتحد وتتآزر في صفاء، وهي التي تستطيع أن تبني عظمة، وتحوط كنافها بمنعة، فلا تجد الأيدي العادية إلى هضم حق من حقوقها منفذاً.
سنواصل - بتوفيق الله - القول في نصائح الدين التي تأخذ بيد الجماعة