للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى هضبة الشرف القصوى، ونقفّي على أثر النصيحة بأخرى، حتى يستبين لك أن الإسلام صُنع الله الذي أتقن كل شيء. وإنما أذكر في هذا المقام خصالاً كالدعائم يقوم عليها صرح الحياة المدنية بهيّ المنظر، شامخ البناء. وما هذه الدعائم إلا العلم الصحيح، والعمل النافع، والخلق الرفيع.

أما العلم، فقد عُني به الدين فيما عُني، ونوه بذكره فيما نوه، فقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٩]. ومن دلائل أن الإسلام ينظر إلى العلم بإقبال، ويعده في أكبر النعم التي يتقلب فيها الإنسان: أنك ترى في أول ما نزل به الروح الأمين قوله تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: ٣ - ٥] .. وقد اندفع المسلمون إلى اقتناء ما لغيرهم من العلوم برغبة حريصة، وهمم كبيرة، وتناولوا بحثها بعقول راجحة، علاوة على العلوم التي استمدوها من الكتاب والسنّة؛ كأحكام الفقه وأصوله، أو العلوم اللغوية؛ كالنحو والبيان.

فالإسلام ينصح لأوليائه أن يبتغوا العلوم أينما كانت، ويحضهم على أن ينظموا شؤونهم الحيوية على مقتضى ما علموا، ولم يجئ الإسلام في عقائده أو أخباره بما يخالف العلم الصحيح، ولم يجئ في نصائحه بما ينقص الرغبة في العلم على اختلاف فنونه، فشأن الأمة التي تبتغيه ديناً أن تكون أصفى الأمم بصائر، وأغزرها معارف، وأبعدها في البحث نظراً.

وإذا أضاف أحد على جهالة أو سوء قصد إلى الدين شيئاً لا يقبله العلم، فالإسلام كله حقائق، وهو من تبعة ما يلصقه به الجاهلون أو المفسدون براء. واذا صدر من بعض المنتمين إلى الدين كلمة تصرف الناس عن علم مادي أو أدبي، فأقصى مصدر هذه الكلمة ذهن صاحبها، وليس بينها وبين الدين من