فالشريعة الإسلامية تأمر بالعمل لهذه الحياة، وتجعل السعي على العيال، والعمل للتعفف عما في أيدي الناس، أو للإنفاق في سبيل الخير، من قبيل العمل الذي يستحق صاحبه ثواب الله في الأخرى، وتكره للرجل أن يوصي بما فوق الثلث، وتقول له:"إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم".
إن شريعة هذا شأنها، لشريعة مدنية تجمع إلى تهذيب النفوس - الذي هو القوة المعنوية - أسباب البسطة في المال- الذي هو القوة المادية -، وإذا جمع قوم بين القوتين، فقد أحرزوا الكفاية لأن يعيشوا كما ولدتهم أمهاتهم أحراراً.
فالإسلام ينادي أممه إلى أن يتعلقوا من العلم بكل فن، وينوه بشأن الأخلاق أبلغ تنويه، ويجعل كل ما تدعو إليه حاجة الجماعة من العمل النافع أمراً واجبًا، فما من أمة تريد أن تصعد إلى أفق السيادة الأعلى إلا وجدت في مبادئه أجنحة تطير بها إلى حيث تطمح همتها، وعلى قدر ما تنفق من عزمها.
وكذلك قصّ علينا التاريخ الصادق أن الإسلام أخرج للناس أمة بهرت العالم بعلومها الزاخرة، وأعمالها الفاخرة. وإذا شاءت الشعوب الإسلامية أن تكون المثل الأعلى للمدنية الفاضلة، ففي استطاعتها أن تتحرى نصائح الدين الحنيف، وفي احترام رؤسائها وزعمائها لأحكام الدين ونصائحه أخْذ بالسياسة الرشيدة، وهي التصرف في شؤون الأمة على مقتضى إرادتها.